Thursday, April 26, 2007

الحب و الوقت.. من يقتل من؟



عندما قرأته و أسرت بروعته قررت أن تشاركوني فيه:


الحب و الوقت.. من يقتل من؟


بقلم أسامة غريب


نشر في المصري اليوم بتاريخ ٢٦/٤/٢٠٠٧




بيقولوا الحب بيقتل الوقت، بيقولوا الوقت بيقتل الحب، يا حبيبي تعا تا نروح.. قبل الوقت وقبل الحب. هكذا حدثتنا فيروز وأخبرتنا بالحدوتة.



كتب في مذكراته: عزيزتي ندي.. المرات التي التقينا فيها قليلة، وتاريخي معك قصير، وعلاقتنا كلها عبارة عن أربعة لقاءات فقط.. في المرة الأولي جمع بيننا حوار عابر في مكتبة الديوان، ثم استكملناه في المحل المجاور، هل تذكرين؟ جلسنا نشرب القهوة وأدهشني أنك فتحت قلبك وتحدثت إلي بصدق نادر،


كنت أخشي أن تفضحني عيناي، حيث أحببتك في صمت منذ استمعت إليك تعزفين في تلك الليلة الشتوية في بيت صديقنا المشترك.. الفنان التشكيلي، لم أشأ أن أُطلعك علي ما اعتراني وفضّلت أن أحتفظ به لنفسي علي أمل أن تتكفل الأيام بتذويبه كما تفعل دائماً!..




ولكن ها أنت تجلسين أمامي تروين لي فصولاً من حياتك، وإذا بالأمور تندفع في اتجاه لم أتحسب له، حدثتيني عن ندي الإنسانة.. التي لا يعرفها أحد. تعود من العمل إلي وحدتها القاتلة داخل القوقعة الاختيارية، عرفت منك أن طاقتك الشعورية قد تحولت نحو العمل، لأن الحب الحقيقي لا يأتي.. طفرت من عينيك الدموع بينما تحكين عن ملابس الأطفال التي تغزلينها وينقصها فقط.. وجود الأطفال، قلت لي: هل تعرف أن كل نجاح أصيبه يشعرني بالأسي بدلا من أن يفرحني، وحتي عندما أنظر للمستقبل لا أري نفسي فيه إلا وحيدة، مازلت أتذكر أسئلتك الحيري: ما فائدة الجمال،



وما جدوي الذكاء؟ ما قيمة شخصيتي التي تجذب الناس إلي مع أنها لم تمثل لي سوي لعنة دائمة، الرجال يقتربون وعندما يكتشفون أنني مستقلة مادياً ولا أدّعي السذاجة والأهم.. لا أكذب، لا يستطيع أحدهم أن يصمد في خطوبة تفضي إلي الزواج.



أدهشني أنك لم تخجلي من الاعتراف بزيارتك للطبيب النفسي في محاولة لإعادة التوازن إلي نفس مبعثرة، هل تعرفي أنك عصفت بي عندما قلت أنك تحدقين في المرآة عندما تشتد بك الوحدة حتي تتعرفي علي شكل العذاب!.



قلت أنك مستعدة أن تتركي الدنيا كلها وتنضوي تحت جناح رجل حقيقي يحترم ضعفك ويحنو عليه ولا يضيف منه إلي رصيد عظمته الزائفة، عندما ألقيت بأحمالك علي أعتابي سمعت نفسي أقول لك: أحبك وأتمني أن أقضي العمر معك.. أحب الأطفال مثلك وأريد أن أصير أباً، أحلم برفقة إنسانة ذكية ومتفوقة وحنونة، مازلت أتذكر دهشتك وارتباكك والتماع عينيك ببريق الفرحة.



في اليوم التالي التقيتك في مطعم «برستيج»، كنت في غاية الروعة، ورغم الحيرة البادية كان وجهك رائقا ينطق بالسعادة، كنا لا نزال تحت تأثير مفاجأة الأمس، ورأيتك تنهضين لفتح بابك بعد أن سمعت طرقاتي عليه، وارتفعت توقعاتي من الدنيا لتصل عنان السماء حين فاجأتني بقولك: هل تعرف أن ما قربني منك هو أن لك موسيقي داخلية هامسة مضبوطة علي موجتي؟. ومع ذلك فقد أخافني سؤالك: «أيدوم لنا بستان الزهر؟».

في اللقاء الثالث علي النيل كان الأمر مختلفاً.. ظلال الفرحة التي رأيتها قبل أيام رحلت.. بقيت الحيرة وأضيف إليها القلق والتوتر، وبدا لي أن رغبة في المقاومة قد حلت محل الرغبة في المضي نحو السعادة، كنت تصمتين كثيراً وتشردين بعيداً، ولم يفلح اجتهادك ادعاء المرح في أن يخفي حقيقة أنك تتألمين


في اللقاء الرابع كان التدهور قد بلغ مداه، ذهبت إليك في الأقصر، حيث كنت تعزفين في حفلة رجل الأعمال التي أقامها لأصدقائه بين الآثار، عندما طلبت حضوري أحسست أنك تستنجدين بي، يومها لم تكن ملاحظتي بشأن رجل الأعمال الذي يأتون له بالفيليه المشوي والأرز بالخلطة والموسيقيين الموهوبين في صحن واحد.. لم تكن هي ما أغضبك..



كنت غاضبة من الحياة ذاتها، كان حديثنا في تلك الليلة بطعم جهنم، وأعترف بأني لم أعرف التعاسة كما عرفتها حين رأيتك تفتحين حقيبة يدك وتفرغين محتوياتها علي المائدة قائلة: ماذا تريد مني؟ هذا هو ما ستجده عندي.. توفرانيل وبروزاك ومضادات للتعاسة و.. قيئا أغالبه طول الوقت، وقتها شعرت أن نصف ندي يحارب نصفها الآخر،



وتمنيت أن أعرف أيهما النصف الحقيقي، لشد ما وددت أن يكون هو النصف الذي أحببته، إذاً لحاربت الدنيا من أجل أن أحميه وأصونه، حاولت أن أخفف عنك وقلت صادقاً: إن لديك الكثير الذي لا تدركينه، لديك ذلك العطر الإنساني الفريد الذي تسلل عبيره إلي نفسي وأخذني إليك، لديك كل ما يحتاجه إنسان ليكون إنساناً.



من أغرب الأشياء أن أحد الأشخاص من معارفك مر بنا في تلك اللحظات.. هل تذكرين؟ وجدتُ ابتسامتك تظهر وكآبتك تستحيل مرحاً وكأنك ترفعين «الأفيش» المبهر في وجه الدنيا!.. عارفة يا ندي أحيانا أحس أنك مستاءة مني بسبب أنك أطلعتني علي دخيلة نفسك وفتحت لي نافذة علي روحك فلم يعد بوسعك أن تنعمي برؤيتي مبهوراً بالفنانة الجميلة المرحة ذات الحضور والشخصية.



ندي.. مر وقت طويل ولا أدري ماذا أفعل، أنا لا أشعر بالوحدة، بل أشعر بما هو أقسي وأمّر.. أشعر بالوحشة. الوحدة يكفي علاجاً لها العثور علي رفيق، أما الوحشة فتحتاج لتغيير العالم!.